آشور كيواركيس
بيروت - 26/03/2007
بتاريخ 21/آذار/2006 نشر موقع "عنكاوا كوم" الآشوري، تقريراً حول احتفال للحزب "الديموقراطي" الكردي، بعيد رأس السنة الفارسية "نوروز" في بلدة ألقوش، وهذا نص التقرير :
بمناسبة عيد النوروز نظمت محلية ألقوش للحزب "الديمقراطي" الكرxxx مسيرة راجلة شارك فيها العشرات من منتسبي الحزب في ألقوش والمناطق التابعة لها، وانطلقت المسيرة من محلية ألقوش للحزب واتجهت صوب السوق القديم لتعود مرة أخرى، وعلى أحد التلال في ألقوش تجمهر المشاركون في المسيرة وأشعلوا النار إبتهاجاً بهذه المناسبة، وفي وقت لاحق وزع البارتي مئات الشتلات لتزرع في المنطقة، كأحد مراسيم العيد – إنتهى
الرابط: http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,82105.0.html
ليس من الغريب أن يسارع موقع عنكاوا إلى صياغة ونصّ هكذا تقرير بصوره المخيبة، وليس من العيب ولا من الخطأ أن يهنئ الآشوريون جيرانهم الأكراد بالعيد الذي يحتفلون به، ولكن تجنب الإحتفال برأس السنة الآشورية في بلدة آشورية عريقة بشهامتها، والإحتفال عوضاً عن ذلك بالعيد الفارسي، يأخذ طابعاً سياسياً ذا أبعاد خطيرة وبشكل خاص عند تكرار هذا التصرّف الأرعن كل سنة، وذلك أمام سكوت "المثقفين الثوريين" من أبناء بلدة ألقوش الأبيـّة كما يشهد لها التاريخ.
وهذه الظاهرة البشعة ليست محصورة بألقوش وحدها، لا بل بالعديد من القرى والبلدات الآشورية المكرّدة جغرافياً أو المستكردة فكريــاً، وهذا يعود إلى ثقافة التكريد المباشر التي يحاول الأكراد فرضها منذ العام 1961، والتكريد الغير مباشر المتمثل بسكوت بعض المجموعات السياسية الآشورية لأهداف مادية أو مناصبية على مدى عقود، ما يـُعرَف بـ"العهر السياسي" والذي لا تزال تلك المجموعات تفتخر به وتعتبره نضالاً، لا بل تمارسه وغيرها من المجموعات المستكردة، في سياق تنافسي على الولاء للسيد الكردي، خصوصاً بعد ازدياد المؤتمرات المشبوهة وبروز وجوه جديدة على الساحة بدأت تضرب على نفس الوتر الجامع لأصوات الناخبين : وتر التسميات القطارية.
ومن ناحية أخرى، وبعيداً عن التعامل مع الأحزاب التكريدية تحت عنوان الآشورية، هناك بعض الآشوريين الذين أعمتهم الثورية العوجاء، أي الثورية الغير قومية فيما كان العراق يتآكله التعصّب القومي سواء كان قبلـيأ تكريدياّ أم بعثيـاً عروبياً، فقد ساهم الآشوريون في بناء وتوسيع الشيوعية في العراق فكراً ونضالاً ولكن ذلك لم يأت عليهم إلا بالمصائب بحيث تحوّلت الشيوعية إلى أساس للفكر الثوري القومي الكردي وساهمت في بناء وتطوير هيكليـة الأحزاب الكردية وتثقيفها، فيما بقيَ الآشوريون الشيوعيون حتى اليوم "خراف عراقيين" وسط الصراعات القومية التي ترفسهم من موقع لآخر برضاهم وبدون أن يهتموا لمصيرهم كقومية ذات ثقافة معرّضة للزوال وبشكل خاص في "العراق الجديد".
مهما يكن ... إن موضوع ألقوش الحبيبة لا يختلف عن بعض ما جاء في هذه المقدمة المزعجة لصبيان البرزاني، فرغم كون ألقوش عرين الأسد الآشوري عبر التاريخ، إلا أن الجهل - وهنا لا أقصد الطب والهندسة، بل الجهل القومي – الذي تسببت فيه أحداث التاريخ ومواعظ رجال الدين منذ تعيين أول مطران كاثوليكي في العراق عام 1845، قد ساهم في بناء فكر قومي ركيك من السهل اختراقه من قبل أية نزعة قومية، كردية كانت أم عربية.
إن هذا التقرير المخجل بحق ألقوش الآشورية العريقة كان من المفترض أن يثير ثائرة أبنائها الشرفاء والواعين الذين يدّعون حرصهم على تاريخهم وتراثهم الآشوري، وما يثير العجب هو المقاربات بين الماضي واليوم في احتفالات ألقوش، أمجادها في الماضي وانهزاميتها في الحاضر، فالسوق القديم الذي يذكره تقرير موقع "عنكاوا كوم" بالذات، والذي سار فيه موكب التكريد الألقوشي، هو نفس السوق الذي احتضن مواكب أكيتو في إحتفالات رأس السنة الآشورية، ممجدة آشور، إله ألقوش الأعظم، "كبير الآلهة وسيد السموات والأرض" كما يصفه الملك آشور نصربال في صلواته.
ألقوش وجبلها
ومن ذلك السوق بالذات، وبعد ساعات على مذبحة الآشوريين في قرى آشور، إنتفض يونس إبن ألقوش، صاحب المتجر المتواضع، في ظهيرة السابع من آب عام 1933بوجه زعيمه الروحي الذي توجه إلى ساحة ألقوش منادياً اللاجئين الآشوريين الذين نزلوا البلدة هرباً من مجازر رشيد الكيلاني وجلاده الكردي بكر صدقي، حيث قرأ "سيـدنا" الزعيم الروحي رسالة رمتها الطائرات البريطانية تطالب اللاجئين بالتجمع عند جبل ألقوش ليـُساقوا إلى المذبحة كالخراف، وهنا لم يحتمل يونس ما سمعه، فدخل وسط الجموع متدافعاً بينهم، حيث وقف في وجه "سيدنا" أمام أهالي البلدة ولـَعَـنه ومن معه بكلمات جارحة وصلت حتى إلى شتم الكنيسة والفاتيكان والراهبات اللواتي كنّ برفقته، ففرّ الزعيم الروحي مهرولاً كالطفل المذعور.
وبعد فرار "سيدنا" كان جمع غفير من أهالي ألقوش يتجمهَر في ساحتها الشاهدة على مجازر محمّد باشا الراوندوزي (ميركور الكردي) عام 1832، وقف يونس وسط الجموع فيما تعالت صيحات بكاء أطفال جيلو وغاور ونوجـيا وألبق وسارّة وسيويني وغيرها ... مرددين بعفويتهم بكاء أمهاتهم اللواتي سمعن ما قرأه الزعيم الروحي الفارّ، ونادى يونس رجال ألقوش ذاكراً التلال التي تجمهر فيها المستكردون المذكورون في تقرير "عنكاوا كوم"، حيث صرخ قائلاً بالحرف الواحد:
"يا أبناء ألقوش ... يوجد على جبل ألقوش مخفر قوامه سبعة عناصر من الشرطة، إحملوا سلاحكم ولنهاجم فوراً، فمتى احتلينا الجبل والتلال المحيطة سيكون بمقدورنا مقاومة الحكومة لسنوات، إلى حين تنفذ أسلحتنا ويتم قتلنا بكرامة مع اللاجئين ...".
بهذه الكلمات القليلة أغلق يونس السوق والبلدة حيث انصرف الرجال يتحضرون لقتال الحكومة ويوزعون الأسلحة فيما بينهم وعلى من يستطيع القتال من اللاجئين، وترددت صرخات يونس في القرى المحيطة مستنفرة شبابها للقتال، وأمام ذلك وجدت الكنيسة الكلدانية نفسها مجبرة على توجيه نداءٍ إلى صانعتها الفاتيكان، مطالبة إياها بالتوسط لدى الحكومة العراقية وصانعتها بريطانيا، لإلغاء قرار المذبحة من أجل تجنـّب توريط القرى المتكثلكة في الصراع مع الحكومة، وفوراً إستجاب الفاتيكان ببرقيـّة إلى الحكومة العراقية والإنتداب البريطاني، حيث تم إلغاء الفرمان في نفس اليوم وتم إنقاذ ألقوش ومن فيها من آلاف اللاجئين الآشوريين.
صورة من تقرير موقع "عنكاوا كوم"
هكذا عرفناك يا ألقوش، وهكذا نريدك أبيـة أبداً، إرمي ثقافة الإستكراد التي زرعتها فيك الشيوعية العراقية الفاشلة، وتخلصي من انحلالك القومي الآشوري الذي زرعه فيك سفراء الكثلكة، واصفعي كهلك أبا الشنب العريض الذي يسير عارم الصدر رافعاً ذلــّه مفتخراً، وعلمي صغيرة آشور إبنتك التي تسير خلفه من هي إيسيغا إيلاني الألقوشية لتمتثل بها، وسلّحي صبيـّك الذي يسير خلفها حائراً تائهاً ... سلّحيه بفكر يونس لكي يخلصك من ثوريـّـتك العوجاء، لتعودي "ألقوش" بمعنى الكلمة، قلب آشور النابض، الرابض على سفح جبل عذرى.
* قصة يونس، من ذاكرة جدّ الكاتب الذي كان شاهداً على الحادث في السوق، ولاجئاً في بيت يونس مع إبنه الوحيد الذي كان في الثامنة من عمره آنذاك – آب/1933.