بيروت – 01/07/2011
"تتعدّد الوقائع، أما الحقيقة فواحدة" – (الشاعر والفيلسوف تاغور)
همسة في أذن المهجر :
آشوريــّــو المهجر ... أيها الكسالى منتظري حملات التهجير لشعبكم من أرضه المحتلة لكي تتبرعوا بحفنة من دولاراتكم وتتباهوا بها في الحفلات الخيرية، متجاهلين وجوب العمل على إزالة أسباب الهجرة من أساسها، كل هذا لأن حـُـزيباتكم أفهمتكم بأنه عليكم أن تكونوا "واقعيين" وفقاً للواقع القذر الذي يعيشه أبناء أمتكم تحت الإحتلال الكردو-إسلامي مهما كنتم أحراراً بعيدين عنه ومهما زادت مقــدّراتكم العلمية والمالية والسياسية في بلدان الحرية التي تحكم العالم والعراق وتعيـّـن الرؤساء والملوك والحكومات وتكتب الدساتير ... والتي لم تسمع سوى بالرخيص من مطالبكم في ما يتعلــّـق بالمنصب لساسة الزمن الرديء، هذا لأنه ليست لديكم "قضية" بسبب سقوط حــُـزيباتكم عقائدياً لدرجة أن أغبى أغبيائكم بات على استعداد لتحدي أي سياسي آشوري "مـُـخضرم" لأن يشرح عقيدة حزبه ولو بسطرين (إن وُجدت)... فوطنكم بنظره هو "بيت نهرين" أو"شمال العراق" أو "أرض الوطن" أو حتى "كرxxx" – الشتيمة، ولكن ليس "آشور"، وإسمكم "كلداني-آشوري-سرياني" لينتهي إلى "مكوّن" كيميائي مسيحي ولكن لستم "قومية" ولا "آشورية"، ولغتكم هي "سوريانية" (طقسية) ولكن ليست "آشورية" (قومية)، ومناسباتكم هي "السابع من آب" أو "ذكرى سيميلي" وليست "يوم الشهيد الآشوري"، و "آكيتو" وليس "رأس السنة الآشورية"، والإبادة الجماعية بحقكم على يد الأتراك والأكراد والبريطانيين في الحرب العالمية الأولى هي "سيفو" وليس "جرائم إبادة الآشوريين".
الحقيقة أمام الواقع :
غالباً ما تــُـستعمـَـل عبارة "الواقع" كسلاح في وجه أعداء الأمم التي تحترم نفسها، أما لدى الأمة الآشورية فهيَ ركيزة الخطاب الذليل للسياسي الآشوري، وذريعة تخاذله وبساطاً يـُـمدّ أمام خطاه في تجارة القضية الآشورية، وذلك نابع من أسباب بـُـنيـَـوية فيما يتعلق بكيان الحــُـزيبات الآشورية من ناحية الهيكلية العشائرية الركيكة والنظام المـَـلـَـكي في رئاستها كما من ناحية الأيديولوجية (الفكر القومي) وانعدام العقيدة لديها، كذلك من ناحية عدم الثبات على مبادئ تربط الحـُـزيب الآشوري بميثاق العمل القومي، وهذه العوامل تعدّ بكل أسف من ركائز السياسة الآشورية، فعلـَـيها تقوم عقدة النقصان لدى الشعب الآشوري، ومن خلالها يتـمّ استصغار الساسة الآشوريين لإمكانيات الأمة الآشورية تمهيداً لتشـَـرنــُـقهم في زوايا منابر الأنظمة المتخلفة، مما يؤدّي لتسلل المزيد من الخيبة إلى نفوس الشعب المشتت الذي كان من المفترض أن تتوفــّـر له الشروط الأيديولوجية للإنطلاق بـحركة قومية آشورية منذ عقود - أي أن تكون أحزابـُـه مدارسـَـه بعد أفول نجم القضية الآشورية عام 1933... إنها مرحلة ما بعد القادة الرجال.
إن الواقع الآشوري المرير هو حلقة مـُـكتملة من مأساة خلقتها مجريات الأحداث عبر التاريخ الآشوري في المحيط المتخلف، مستغلاً إنعدام العقيدة لدى ما كان مِن المفترض أن يكون "حركة قومية آشورية"، وقد أكمل تلك الحلقة الشعب الآشوري العاطفي الغير منظـّـم، وذلك إمـّـا بمساندته للأحزاب المعاقة فكرياً وبـِنيـَـويـّـاً أو بمجرّد سكوته عما يجري من فوضى وفــِـتن، فمن ناحية الهوية تمّ خلق مؤسسات سياسية آشورية تحت عناوين طائفية أو دينية ضيــّـقة (سريانية، كلدانية، مسيحية) لا هدف لها (أي المؤسسات) سوى خدمة بعض أصحاب الذقون والوقوف في وجه كل مؤسسة آشورية تعمل تحت العنوان الآشوري القومي الجامع ولو كانت كارتونيــّـة، أما من ناحية الحقوق فحدّث ولا حرَج ... فكافة الحـُـزيبات الآشورية المتجذرة – بكلّ أسف - في المجتمع الآشوري، لم تـتبـنّ منذ نشأتها أي مطلب أرض (Land Aim) يـُـلزمها على انتهاج مسيرة مشرّفة، مما فتح أمامها أبواب مواخير السياسة بكل راحة بحيث لا يمكن لومها طالما أن برنامجها ذليل في خدمة الآخرين، أي "واقعي"، كما في غموضه من ناحية الهوية والمصير.
ومن جهة أخرى، إذا كان الآشوريون الحلقة العراقية الأضعف في العراق، فهم الحلقة الأقوى في المهجر، ولو نظرنا إلى الواقع الآشوري من كافة وجوهه ومعطياته الإيجابية كما السلبية، لاستطعنا تحديد إمكاناتنا ضمن المنطق "الحقيقي" وليس "الواقعي" طالما أن الواقع لا يكون بالضرورة "حقيقة" ولا هو ثابت إنما متغيـّـر حسب أهواء السياسة والمحيط والظروف والمصالح الشخصية، أما الحقيقة فهي المنطق الثابت الذي عليه يـُـبنى "الحق" وليس على الإمكانيات والظرف، إذاً عندما نتكلــّـم عن الحق والحقوق، علينا التجرّد من الواقع وإلا الصمت. ورغم كل ما نفثته الحـُـزيبات الآشورية من سموم داخل المجتمع الآشوري، إلا أن "الحقيقة" تبقى كالشمس ساطعة، تتمثل بحقّ الأمة الآشورية بالعيش بحرية وكرامة على أرضها، فكافة أبناء الشعب الآشوري أفراداً ومؤسسات، يعرفون بأن واقع الآشوريين منذ صناعة العراق - المسخ عام 1921، لم يكن سوى الذل تحت سياسات التخلف من أسلمة وتكريد وتعريب، وأخيراً القتل والتهجير وفقاً للدستور العراقي المتخلــّف وبتغطية (أي مشاركة) الحـُـزيبات الآشورية العاملة في العراق، وهنا نسأل: هل يجب أن نعمل وفقاً للواقع أم للحقيقة ؟ - ونعني بذلك : هل يجب ان نعمل وفقاً للإمكانيات أم وفقاً للحقوق ؟
إستغلال "الواقع المرير" من أجل إحقاق الحقّ :
يتذرّع الساسة الآشوريون أمام البسطاء بالواقع المرير، فيما نراهم ينتفضون كالأسود أمام واقع الكوتا والمناصب في الدولة الكردو- إسلامية ، أما حين تأتي ساعة مواجهة واقع الوجود القومي، فعندها يتباكون ويسترحمون بسطاء المهجر. إذاً الواقع المرير ليس من الخارج كما أوحـَـت حـُـزيباتنا بل منها بالذات، وعندما تكون لدينا قضية عقائدية، فإن كل اعتداء أو إجحاف بحق الأمة الآشورية سيكون من صالحها لأنه سيعزز موقف آشوريي المهجر في المنابر الدولية، وذلك انطلاقاً من المعطيات التالية (على سبيل المثال لا الحصر):
1- كون مسيحيو العراق (سريان، كلدان، مشرقيين) يجمعهم تاريخ آشوري مشترك، وجغرافية آشورية مشتركة، وثقافة آشورية مشتركة، إذا هم أبناء القومية الآشورية المشتركــَـة، شعب العراق الأصيل.
2- كون الشعب الآشوري يتعرّض للفناء الثقافي والديموغرافي على يد التيارات المتخلفة من إسلاميين وأكراد وعروبيين منذ قرون وهذا ليس بحاجة لإثبات.
إذاً لو عمل المهجر الآشوري وفقاً لإمكاناته وليس إمكانات الحــُـزيبات العاملة في العراق "تحت الضغط" كما تدّعي، لكانت الهوية القومية الآشورية ومعاناتها، عاملاً إيجابياً في القضية الآشورية (الحقوق)، فبموجب إعلان ** حقوق الشعوب الأصيلة الصادر عن الأمم المتحدة عام 2007، يحق للشعب الآشوري تقرير مصيره كونه معرّض للفناء، ويجب حمايته وفقاً للمواد التالية:/2/ - /3/ - /7/ - /8/ - /11/ - /12/ - /13/ - /14/ - /26/ - /27/ - /36/ - /39/.
رغم وجود هذه الفرصة التي ليست إلا واحدة من العشرات ربما، ليس لدى الأمة الآشورية حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، أي صوت في المنابر الدولية يعمل في سبيل إحقاق الحقّ الآشوري... تلك المنابر التي من خلالها حصراً سينال الشعب الآشوري حقوقه الكاملة على أرضه التاريخية باعتباره شعب العراق الأصيل، وحين نلوم الحــُـزيبات على كسل المهجر، نعني بذلك:
1- تسلل الحــُـزيبات إلى داخل المؤسسات القومية في الخارج (المجلس القومي الآشوري في إيلينويس، الفدريشن الآشوري في الولايات المتحدة) وتحويلها إلى أبواق ومصارف حزبية.
2- خلق خلايا سياسية بأسماء وهمية (مجلس آشور الأوروبي الذي لم يستعمل عبارة "آشور" حتى الآن في أي من أدبياته)، و التحالف القومي الآشوري في أميركا (AANC)، الذي يتشكل من الشباب الآشوري الناشط والغيـّـور، ليعمل وفقاً لأجندا حزبية تافهة ...
3- تركيز الـحـُـزيبات العاملة في العراق على الحاجات المادية للشعب الآشوري بدون غيرها، ومن خلال ذلك إيجاد جمعيات خيرية لخلق حالة من راحة الضمير لدى المهجر الآشوري لمجرّد أنه يساعد مادياً، ولا داعي لأن يطرح الحلول لأن هذا من اختصاص "المناضلين" في العراق، وأبرز هذه الجمعيات هي "الجمعية الخيرية الآشورية" التي انتسبت مؤخراً إلى الـ"إيكوسوك" (ECOSOC ) – أي "اللجنة الإجتماعية الإقتصادية للأمم المتحدة" - سعياً وراء "المعونات المادية"، لتنقل نفس الحالة الآشورية المريضة إلى المنبر الذي منه يجب أن تنطلق المطالب "المصيرية" الآشورية (المنبر الدائم في الأمم المتحدة لقضايا الشعوب الأصيلة - UNPFII).
إذاً لو نظرنا إلى واقعنا شبراً أبعد من أنفنا لرأيناه من جانب آخر، يتمثــّـل بكون الأمة الآشورية هي الأقوى في العالم، سلاحها أصالتها في هويتها التي تحدّد حقها بتقرير المصير وفقاً للتشريعات الدولية، وحجتها قوية قوّة الواقع السلبي المتمثل باضطهاد المحيط المتخلف مما يعزّز وقفتها في المنابر الدولية ... حيث اختــُــتم الملف الآشوري بعد الحرب العالمية الأولى حين تم رسم خارطة الشرق الأوسط ... فمن حيث اختــُـتم الملف الآشوري يجب أن يـُـعاد فتحه، وهذا الواقع الإيجابي سيتنامى بتنامي الواقع السلبي، إنما فقط في الأحوال التالية :
أ- التفكير بطريقة تقدمية نحو العمل على إحقاق الحق القومي من خلال البيئة التي تعيش فيها كل مجموعة في المهجر، وليس النظر إلى الإمكانات تحت الإحتلال في دولة متخلفة مثل العراق، فإذا كانت عبارة "الواقع" ذريعة الحزيبات الآشورية في العراق، هذا لا يعني بالضرورة أن يعيش آشوريـّـو العالم كابوس ذلك الواقع على بـُـعد آلاف الأميال فيما يتمتعون بكافة عوامل خلق الحركة القومية : الحرية، المال، العلم، العدد، والحماس.
ب- كسر قاعدة الولاء لأية مؤسسة دينية أو سياسية تعمل على قتل الروح القومية الآشورية وعلى نشر الإنقاسامات الطائفية في صفوفه (كلدان، سريان، مشرقيين وغيره ... ).
ج- الإيمان بالعمل الجماعي، وذلك بجذب النوعية التي تتمتع بكافة العوامل أعلاه وليس عاطفياً بجمع الأعداد لأهداف فارغة، على أن يبدأ ذلك ضمن مجموعات صغيرة في دول المهجر وخاصة الدول العظمى (حاكمة العراق).
إن تطبيق هذه الشروط يتطلب وقتاً طويلاً لن يبق لحينه آشورياً واحداً في آشور المحتلة، لذلك من الأفضل البدء "بمـَـن حـَـضـَـر" – أي القسم الذي يتمتع من الآن بالشروط المذكورة.
نحوَ مؤسسة قومية آشورية عقائدية في المهجر حصراً :
أمام هذا كله ومهما تذرع بعض الكسالى وعديمي الفائدة في المهجر بـ"الواقع"، فإن الحــُــزيبات الآشورية تفقد مصداقيتها أمام الشعب الآشوري يوماً بعد يوم، وبذلك ينقص الإندفاع القومي لدى الشعب والأجيال الآشورية القادمة التي يعيش أغلبها في بلدان المهجر بين ثقافات غريبة، إذاً بات لا بد اليوم قبل الغد، من العمل على تأسيس مؤسسة قومية عقائدية تعمل وفق "الحقيقة" التي تناولناها لتقوم بدورها حيث لم يجرؤ الآخرون، وذلك بدءاً بخلايا صغيرة وتجنب "كثرة الطبـّـاخين" على يتم عقد اجتماع موسع فيما بعد لتوحيدها ببرنامج يعمل وفقاً لمتطلبات الحفاظ على الوجود الآشوري رغماً عن الواقع وأزلامه، فأمتنا الآشورية التي نتباكى عليها في شوارع المهجر بمسيرات التبجـّـح على صفحات الفيسبوك، لن تنهض إلا بنهوضنا أمام الحقيقة الآشورية التي ضلـّـلتها حـُـزيباتنا، وهذه الحقيقة يجب أن تبدأ بالفكر الذي يتم تناقله بالكلام قبل الفعل، وحـُـزيباتنا استعجلت لمجرّد أن تعمل وفعلاً عملت ولكن بدون فكر، وها قد تحقق كل ما عملت من أجله من خلال تبعيــّـتها لأعداء الأمة الآشورية: أرضنا مـُـكرّدة ضمن عراق "ديموقراطي" إسلامي متخلــّـف فيما آشور "متنازَع عليها" (بموجب الدستور العراقي) بين الدخلاء فيما ساستنا المتفرجون ينعمون بمنصب نيابي ووزاري وسيارة ومرافقة ... وكل هذا بسبب فوضانا التي أتاحت للجياع والعاطلين عن العمل، دخول السياسة الآشورية وتحويلها من رسالة قومية- إنسانية إلى "بزنس" ... وهنا بات على المهجر الآشوري الإختيار؛ إما إثبات الوجود، أو الإستمرار في الزوال ...
هوامش:
* الحــُـزيب : نقصد بها الأحزاب الآشورية كونها غير عقائدية.[/size][/b]
** http://www.un.org/esa/socdev/unpfii/documents/DRIPS_ar.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق