بقلم جميل حنا
تسعون عاماً مضت على تنفيذ أكبر مذبحة بشعة في تاريخ البشرية الطويل، حيث قتل خلال فترة زمنية قصيرة بتخطيط وتنفيذ من قبل الحكومة التركية عام 1915 (وبالتعاون والتنسيق التام والمشاركة الفعالة مع الكثير من العشائر الكردية التي تحالفت معها آنذاك) أكثر من مليون ونصف من الأرمن وأكثر من نصف مليون من الآشوريون(سريان وكلدان) وهجر غالبية من تبقى في الحياة إلى صحارى بلاد ما بين النهرين، ليموتوا من الجوع والمرض والإرهاق.
وكانت الصحف الصادرة آنذاك تؤكد وقوع المجازر البشعة ومنها جريدة "واشنطن بوست" و "نيويورك تايمز" و "لندن تايمز"، بالإضافة لتقارير القنصليات ورجال الدين من مختلف المذاهب والمبشرين المتواجدين في الإرساليات الأجنبية، والكثير من شهود العيان من أبناء شعبنا الذين عاشوا المأساة ونجوا من المجازر ونقلوا ما شاهدوه وما زالت أحاديثهم الحية تعيش في عقول وقلوب الأبناء والأحفاد، وكانت الصحف المحلية العثمانية التركية في تلك الفترة تتباهى بأعمال القضاء على من أطلقوا عليهم تسمية الكفرة.
حاولت الدولة التركية الحديثة إخفاء الوثائق والصحف الصادرة في تلك الحقبة، ولكنها لم تفلح بالرغم من رصدها طاقم بشري ومادي كبير لتلك الغاية ومن أجل تحريف الحقائق التاريخية. برغم من كل المحاولات لم يقتنع أحد بالإدعاءات التركية، بأنها لم ترتكب المذبحة. ونحن نأمل أن تأخذ العدالة مجراها بشكل قانوني بحق من أرتكب مجازر الإبادة الجماعية وأن تعترف بلدان العالم بمجازر الإبادة العرقية التي ارتكبت بحق شعبنا والأرمن وبقية الفئات على الأرض التركية خلال الحرب الكونية الأولى، ووفقاً للمصادر العثمانية التركية نفسها ومن خلال الوثائق الرسمية الصادرة من وزارة الدفاع والداخلية ورسائلها الموجهة إلى ولاة الولايات التركية ورسائل الولاة إلى الحكومة المركزية في القسطنطينية (اسطنبول) والتي تؤكد تنفيذ المذبحة بحق أبناء شعبنا الآشوري (السرياني والكلداني).
وبتاريخ 7 حزيران 2004 كان لنا موعد لقاء مع البروفيسور دافيد كاوند ومحاضرته الغنية ببعض الوثائق القيمة، حيث ألقيت المحاضرة في أحدى قاعات جامعة سودرترن في العاصمة السويدية ستوكهولم وكشف خلالها عن بعض الوثائق الرسمية العثمانية المحررة آنذاك والتي تؤكد وقوع المجازر الوحشية البشعة. ومن خلال عرضه لإحدى الوثائق الرسمية من الأرشيف التركي والتي بينت عدد السكان والقتلى في منطقة آمد (ديار بكر) ومن مختلف الطوائف المسيحية ومن أبناء شعبنا الذين عاشوا على أرضهم التاريخية وهنا أسجل بعض الأرقام وكما وردت في الوثيقة الرسمية العثمانية التركية والتي عرضها البروفسور كاوند:
)الأرمن الغريغوريون عدد السكان 60 ألف وقتل منهم 58 ألف وتكون نسبة القتلى 97%، الأرمن الكاثوليك العدد 20020 وقتل منهم 11010 بنسبة 92%، الكلدان 11020 قتل منهم 10100 بنسبة 90%،السريان الأرثوذكس العدد 84725 قتل منهم 60725 وبنسبة 72%، البروتستانت العدد 725 وقتل منهم 500 وبنسبة 69%).
أكد البروفسور كاوند ومن خلال ما اكتشفه بأن مجازر الإبادة بحق شعبنا وكذلك الأرمن بدأت منذ كانون الثاني من عام 1915 وفي أماكن متفرقة من الأراضي الواقعة تحت السيطرة العثمانية ومنقطعة، ولكن من حيث المبدأ كانت منظمة. وكما عرض البروفسور إحدى الوثائق الصادرة بتاريخ 26 أيلول 1914 بعدم الاعتداء على السريان باعتبارهم موالين للحكومة وبرقية من القيادة العسكرية المحلية في منطقة ديار بكر عن أعداد المهجرين وعن قتل رجال الدين المسيحيين.
كما أبدى الكثير من الكهنة من خلال التصاريح والكتابات الكثيرة بأن المسيحيين كانوا مواطنين موالين للحكومة، ويستغربون من تعرضهم مع أبناء شعبهم للإبادة ولا يعرفون لأي أسباب يقتلون وتحدث عن شهادة رجال الدين في الإرساليات الأجنبية، وعن بعض المصادر الروسية وبعض الصحف الأمريكية والبريطانية وعناوين بعضها والتي كانت تدعوا إلى إنقاذ حياة مليون ونصف من الأرمن والسريان واليونان من النساء والأطفال .
وأكد البروفسور بأنه لم يبق أمام الشعب الآشوري (السرياني والكلداني) خيار آخر حينها سوى البحث لإيجاد علاقة مع الروس لحمايتهم بسبب ما يتعرضون له وما يعانون وعانوا من المظالم القاسية على مدى الطويل من الزمن، ومن خلال الأسئلة المطروحة أكد البروفسور على أهمية الوثائق المكتشفة وضرورة الكشف عن وثائق جديدة أخرى تتعلق بالمذابح.
إن نيل اعتراف العالم بالمذابح التي تعرض لها أبناء شعبنا مسؤولية الحكومات في دول العالم، إذ نؤكد على الأهمية البالغة لهذه الوثائق، ونأمل أن تنشر من قبل المحاضر البروفسور دافيد كاوند ليتسنى الاطلاع عليها من قبل أوساط واسعة، ولتنضم إلى الوثائق الأخرى المكتشفة حتى الآن وأضافتها إلى ملفات مجازر الإبادة الجماعية التي قدمت إلى بعض البرلمانات والمنظمات الدولية ذات الشأن في العديد من الدول الأوربية.
إن الكشف عن بعض الوثائق الرسمية تمنحنا قوة أكثر لنواصل البحث العلمي، ويزيدنا إصراراً لفتح المجال أمام الباحثين والمهتمين بقضايانا وبالمذابح وفتح الأبواب الموصدة على الملفات السرية البعيدة عن الأعين ولكشف الحقائق المحفوظة فيها للعالم، لكي يطلع على الجرائم العرقية وعلى العقلية الهمجية التي كانت تتحكم بحياة البشر وتسببت بإبادة الملايين منهم بسبب الانتماء الديني والقومي.
إننا نطالب دول الإتحاد الأوربي وأمريكا بالضغط على تركيا، لتفسح المجال أمام الباحثين للاطلاع على أرشيف وزارة الداخلية والحربية العثمانية وعلى كافة القرارات الحكومية ومحاضر جلساتها ومحاضر جلسات قيادة حزب "الإتحاد والترقي" منذ عام 1908و حتى بعد قيام الجمهورية التركية الحديثة والاطلاع على محاضر جلسات المحاكم التركية بعد انتهاء الحرب الكونية الأولى بمعاقبة المسئولين السابقين أو أن تقوم الدولة التركية بالكشف بنفسها عن هذه الوثائق.
لتكن هذه الوثائق المكتشفة والمطروحة في المحاضرة بداية للكشف عن المزيد من الوثائق الهامة والخطيرة، لكي ينال شعبنا الاعتراف بالمذابح التي ارتكبت بحقه والاعتراف بقضيتنا وحقوقنا القومية المشروعة وعلى أرضنا التاريخية منذ آلاف السنين.
المصدر: الموقع الشبكي لحزب التحرير الآشوري
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق