يتحمل الشعب السوري وحده مسؤولية تقرير مصير النظام الذي يحكمه , فهو صاحب الشأن وهو الأدرى بمصالحه ومصالح بلده , وكل تدخّل من طرف خارجي إنما يتم من أجل غايات بعيدة عما يُرفع من شعارات وطنية أو دينية , وتلك هي العبرة التي يدفع العراقيون ثمنها غالياً عقب الغزو الأميركي لبلدهم والذي أتى بالعملاء الذين كانوا يسمون أنفسهم معارضة والذين وجدوا في حزبي البرزاني والطالباني حاضنة وسمساراً بينهم وبين الولايات المتحدة وبريطانيا , ولم يكن دافع الحزبين الكرديين للقيام بذلك الدور نابعاً عن عشقهم للديمقراطية أو للإسلام السياسي , ولا عن قطيعة نهائية مع الرئيس صدام حسين , بدليل أنهما يواجهان بالحديد والنار كل رأي كردي مخالف لهم , وكان لهما قصب السبق في التصفية الجماعية لتنظيمات الإسلام السياسي الكردية , كما أنهما حافظا على صلة مع نظام الرئيس صدام حسين – رحمه الله – ولعل قصة استنجاد مسعود البرزاني به في صيف 1996 لإنقاذ رقبته من سيف جلال الطالباني , معروفة ومثبتة ؛ اعتمد الأكراد بمشاركة اسرائيل مشروعاً لتفتيت العراق وسوريا – القوتان الرئيستان في الشرق العربي – وذلك بهدف ضمان مستقبل اسرائيل وتسيّدها في المنطقة , ولتمهيد الطريق من اجل إقامة كيان كردي على أشلاء سوريا والعراق الممزقتين والمشغولتين بحروبهما الداخلية . ولم يكن غريباً ذلك التحالف بين الأكراد وذلك بحكم القواسم المشتركة بينهما , فكلاهما غريب عن تاريخ المنطقة وعن جغرافيتها , وكلاهما نبت على أرضها بمعونة قوى غربية طامعة اعتمدت عليهما في حماية مصالحها في المنطقة , وكلاهما كيان استيطاني قام على أرض ليست له وعلى حساب أصحابها الشرعيين , وكلاهما اختلق حكاية مؤثرة لتبرير وجود كيانه السياسي , فاسرائيل قد اختلقت أسطورة المحرقة النازية والأكراد يجهدون لترسيخ أسطورة مقابرهم الجماعية.
لقد استكمل الأكراد المرحلة الأولى من مخططهم , فهيمنوا على القرار السياسي العراقي , وحالوا دون بناء قوات مسلحة عراقية مقتدرة , ونجحوا في سفح بحر من الدم بين سنّة العراق وشيعته , وحفروا بصمتهم على هوية العراق حتى بات غريباً على تاريخه وعن أمته , وسطوا بسبب تخاذل أطراف الإسلام السياسي السني والشيعي على مفاصل الإقتصاد العراقي حتى باتت لهم حصة الأسد فيه ؛ وها هم اليوم يلتفتون إلى سوريا مستغلين غضب شعبها على نظام الحكم ليصطادوا في الماء العكر وتأجيج نار الفتنة فيها من خلال الجماعات الكردية التي استوطنت جانباً من الحدود السورية مع شمال العراق , وكذلك فتح مسعود البرزاني مخازنه وخزائنه لتزويد تلك الجماعات بالمال والسلاح لتمكينها من رفع سقف مطالبها من حقوق انسانية مزعومة إلى حق تقرير المصير , وهو ما يعني وبلا تزويق للمعاني حق الانفصال عن سوريا والالتحاق بالكيان الكردي في شمال العراق .
وقد حدث في شهر نيسان الماضي أن وجّه الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني دعوة عاجلة لوفد من المجلس السياسي الكردي – المقيم في سوريا – وقد ضم السيد شلال كدو عضو الحزب اليساري , والسيد محمد حمو ممثل تيار المستقبل الكردي , والسيد بهجت بشير عضو قيادة الحزب الديمقراطي الكردي , وقد جرى اللقاء في منطقة تقع على الجانب العراقي من جبل قنديل , ودارت المناقشات حول الطريقة التي يمكن أن يستغل بها الأكراد الظرف السياسي الراهن في سوريا , وكيفية تصعيد حركتهم والضغط على النظام السوري ليعترف بهم كقومية ثانية في سوريا ومنحهم حرية العمل السياسي , وتبنّي رؤية كردية مشتركة يتفق عليها أكراد منطقة الشرق الأوسط , ووضع استراتيجية لدفع الاحتجاجات الشعبية في سوريا إلى مسار يحقق التطلعات الكردية . ومن الثابت أن حزب العمال الكردي الذي يشن حرب عصابات على تركيا , قد اتخذ من الجانب العراقي من جبل قنديل أوكاراً آمنة وذلك بدعم وبتواطؤ أكراد العراق , ولم يكن لوفد الأكراد المقيمين في سوريا أن يصل إلى تلك الأوكار إلا بعلمهم وموافقتهم ؛ والأهم من ذلك كله فإن مدلول هذه الواقعة يشير إلى أن المخطط الكردي على مستوى المنطقة يسير في طريقه المرسوم , وهي مسألة لا يقدر عليها الأكراد إلا بضلوع الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل معهم في تنفيذها .
.................................
.................................
لا جدال أن النظام السوري قد تورط على امتداد سنوات عمره في أخطاء كبيرة لا تُغتفر , ولكنه في غمرة محاولاته لامتصاص غضب شعبه فإنه ارتكب خطيئة تقديم تنازلات ضخمة للأكراد المقيمين على أرضه , وكان ذلك الخطأ عينه الذي ارتكبه الرئيس صدام حسين , وهو الخطأ الذي أوصل العراق إلى حالته الراهنة , و فيما يبدو أن الطغاة يجيدون تقليد بعضهم في أساليب القهر والنهب و فن البقاء , ولكنهم ليسوا قادرين على الاتعاظ من رأس الذئب الطائر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق